کد مطلب:350965 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:199

الامام والإمامة
إن لأبی الحسن الرضا علیه السلام كلاما فی الإفصاح عن مقام

الإمامة والإمام، والإرشاد إلی بعض فوائدهما ووظائفهما مما ینبئنا عن قصورنا عن إدراك هذه المنزلة والإحاطة بتلك الحقیقة وقد تكلم به عندما خاض الناس فی الإمامة بمرو فی الجامع یوم الجمعة، وقد حكی له ذلك. ولما كان كلام الإمام هذا دخیلا من بعض الجهات فیما نحن فیه من البحث، أردنا أن نلتقط من عقوده بعض اللئالی الكریمة لتكون مسك الختام. قال علیه السلام: إن الإمامة أجل قدرا، وأعظم شأنا، وأعلی مكانا، وأمنع جانبا وأبعد غورا، من أن یبلغها الناس بعقولهم أو ینالوها بآرائهم، أو



[ صفحه 103]



یقیموا إماما باختیارهم. وقال علیه السلام. إن الإمامة منزلة الأنبیاء وإرث الأوصیاء إن الإمامة خلافة الله تعالی وخلافة الرسول (ص). إن الإمامة زمام الدین ونظام المسلمین وصلاح الدنیا وعز المؤمنین). إن الإمامة أس الإسلام النامی، وفرعه السامی. بالإمام تمام الصلاة والزكاة والصیام والحج والجهاد، وتوفیر الفئ والصدقات، وإمضاء الحدود والأحكام، ومنع الثغور والأطراف. الإمام یحلل حلال الله ویحرم حرام الله، ویقیم حدود الله، ویذب عن دین الله ویدعو إلی سبیل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة والحجة البالغة). الإمام كالشمس الطالعة المجللة بنورها للعالم وهی فی الأفق بحیث لا تنالها الأیدی والأبصار). الإمام البدر المنیر، والسراج الزاهر والنور الساطع، والنجم الهادی فی غیاهب الدجی وأجواز [1] البلدان والقفار ولجج البحار). الإمام الماء العذب علی الظمأ والدال علی الهدی والمنجی من الردی).



[ صفحه 104]



الإمام النار علی الیفاع [2] الحار لمن اصطلی به [3] والدلیل فی المهالك من فارقه فهالك). الأمم السحاب الماطر، والغیث الهاطل، والشمس المضیئة، والسماء الضلیلة والأرض البسیطة، والعین الغزیرة، والغدیر والروضة). الإمام الأنیس الرفیق، والوالد الشفیق والأخ الشفیق والأم البرة بالولد الصغیر، ومفزع العباد فی الداهیة [4] أمین الله فی خلقه، وحجته علی عباده وخلیفته فی بلاده، والداعی إلی الله والذاب عن حرم الله. الإمام المطهر من الذنوب والمبرأ من العیوب، المخصوص بالعلم والموسوم بالحلم، نظام الدین، وعز المسلمین وغیض المنافقین وبوار الكافرین. الإمام واحد دهره لا یدانیه أحد، ولا یعادله عالم، ولا یوجد منه بدل، ولا له مثل ولا نظیر مخصوص بالفضل كله من غیر طلب ولا اكتساب بل اختصاص من المفضل الوهاب. فمن ذا الذی یبلغ معرفة الإمام، أو یمكنه اختیاره؟ هیهات



[ صفحه 105]



هیهات ضلت العقول، وتاهت الحلوم وحارت الألباب، وخسئت العیون وتصاغرت العظماء وتحیرت الحكماء، وتقاصرت الحلماء وحصرت الخطباء وجهلت الألباء [5] وكلت الشعراء وعجزت الأدباء وعییت البلغاء عن وصف شأن من شؤونه أو فضیلة من فضائله وأقرت بالعجز والتقصیر). وكیف یوصف بكله، أو ینعت بكنهه أو یفهم شئ من أمره، أو یوجد من یقوم مقامه، ویغنی غناه؟ لا وكیف وأنی. وهو بحیث النجم من ید المتناولین، ووصف الواصفین، فأین الاختیار من هذا؟ وأین العقول عن هذا؟ وأین یوجد مثل هذا؟ أتظنون أن ذلك یوجد فی غیر آل الرسول (ص). ثم قال علیه السلام: (وكیف لهم باختیار الإمام؟ والإمام عالم لا یجهل، وداع لا ینكل معدن القدس والطهارة والنسك والزهادة والعلم والعبادة). إلی أن یقول علیه السلام:... نامی العلم، كامل الحلم، مضطلع بالإمامة، عالم



[ صفحه 106]



بالسیاسة، مفروض الطاعة، قائم بأمر الله عز وجل، ناصح لعباد الله، حافظ لدین الله). ثم قال علیه السلام: (وإن العبد إذا اختاره الله عز وجل لأمور عباده شرح صدره لذلك، وأودع قلبه ینابیع الحكمة، وألهمه العلم إلهاما، فلم یعی بعده بجواب، ولا یحیر فیه عن الصواب، فهو معصوم مؤید، موفق مسدد، قد أمن من الخطأ والزلل والعثار، یخصه بذلك لیكون حجته علی عباده، وشاهده علی خلقه، وذلك فضل الله یؤتیه من یشاء والله ذو الفضل العظیم، فهل یقدرون علی مثل هذا فیختارونه؟ أو یكونمختارهم بهذه الصفة فیقدمونه [6] .

هذه لؤلؤة مما زانوا به جید الدهر من البیان عن مقام الإمامة والإمام، ولم نضع هذه الرسالة الوجیزة للكلام عن الإمام حتی نستوفی النقل لتلك الآیات البینات التی أفصحوا بها عن الإمامة وصرحوا بها عن شأن الإمام، أو نشرح هذه اللؤلوة الغالیة الجدیرة بالشرح والحقیقة بالإعجاب. وإنما الغرض - الأقصی - كما یرمز إلیه عنوان الرسالة - هو البت فی علم الإمام وأنه حضوری - أو موقوف علی الإشاءة والإرادة منه. وما



[ صفحه 107]



كان الخوض منا فی هذا البحر الزاخر إلا علی قدر ما نحسه وتصل إلیه مداركنا، وتحكم به عقولنا، وتفهمه من أحادیثهم التی بین أیدینا. وكیف نستطیع أن نحدد الإمام حقا، ونحیط به معرفة، وما ذكر الإمام الرضا علیه السلام إلا بعضا من صفاته، وما هذا القدر مما ذكره الرضا (ع) من شؤون الإمامیة بالنسبة إلی مداركنا إلا كما قال علیه السلام: وهو بحیث النجم من ید المتناولین). وكفی برهانا علی ارتفاع ذلك المنار هذه الآیة البیانیة والمعجزة الكلامیة التی أفصحت عن بعض شمائل الإمام وصفات الإمامة، فإنها دلالة من الإمام علی الإمامة وعلامة بینة منه علیه، بل وأمارة قائمة علی بعد ذلك المنال عن أبصارنا وبصائرنا. وما معرفتنا به إلا علی قدر ما نلمسه من آثاره ونقرأه من أخباره، نسأله جل شأنه أن یعرفنا نفسه، لنعرف بذلك رسول الله (ص)، وأن یعرفنا رسوله لنعرف بذلك حجته، وأن یعرفنا حجته لنهتدی لدینه ولا نضل عن سبیله، إنه خیر مسؤول، وأكرم مجیب، وهو ولی التوفیق والهدایة. كان الفراغ من تسوید هذه الرسالة صبح الاثنین الثالث عشر من صفر الخیر أحد شهور السنة الواحدة والستین بعد الألف. والثلثمائة هجریة علی مهاجرها أفضل الصلاة والتحیة. إنتهی


[1] الأجواز جمع جوز: وسط الشئ ومعظمه.

[2] اليفاع: ما ارتفع من الأرض.

[3] لعله كناية عن احتراق من يريد السوء به أو العداء له.

[4] الناد كسحاب: الداهية ولعل المستفاد من تكرار المعني. الشدة فالمعني إذا الداهية الشديدة.

[5] الألباء جمع لبيب: العاقل.

[6] راجع الكافي: كتاب الحجة باب نادر في فضل الإمام.